ما ان حل ربيع عام 1994 حتى كنت على موعد جديد و حدث جديد و عمل جديد, كان عليّ الانضمام الى فؤيق العمل لمشروع مهم بعيد عن اهلي و عائلتي كالعادة , فقد اعتدت على ذلك منذ عام 1991 و في ربيع ذلك العام ايضاً عندما توجهت الى عمل اخر بمكان بعيد ايضاً و قد تركت اهلي وهم بأمس الحاجة الي… طبيعة عملي تستوجب ذلك فلم اكن عاقاً بوالديّ و لازاهداً في اسرتي , وكان ضغط الحصار و شدته تستوجب ان اعمل بجد كي اجد لهم لقمة العيش و كسوة مناسبة و حبة دواء هي شحيحة ذلك الزمن.. كانوا اجناس عدة و طبائع مختلفة تتدرج من افاضلهم الى الاسافل منهم و لسوء حظي كان الافاضل هم المستضعفون ,و الاسافل منهم هم القادة و هم الواجهة التي يجب علي شئت ام ابيت ان اتعامل معها… لا يمر امر او نهي اﻻ من خلالهم , ارزاقنا تمر من خلالهم , هم المتصرفون بأحوال العباد, وما هم اﻻ حثالة قائها الزمن الرديء , فلا المدير كان ذلك الفطحل وفريد زمانه وﻻ الحاشية كانت حالة استثنائية بالعلم و العمل …. كبيرهم الذي علمهم السحر كان بعيداً كل البعد عن الهندسة ولكن محسوبيته و قربه من النظام و جيبه هو من جعله يعتلي قمة الهرم هناك…. وصديقه و المقرّب منه ذلك الملحد ال---- كل ما يؤهله هو ال--- , فلا علم و ﻻ انجاز وﻻ شيء يذكر, و هو بلحيته الكثة و وجهه القبيح و رائحة الخمر من فيه حتى وقت العمل ﻻ يساوي عفطة عنز. وذلك الغبي الانتهازي الذي ﻻ علم له سوى المظاهر هو مستشاره الامين في شؤون الهندسة و في اختصاصي بالذات , و كان ذلك بالنسبة لي كالماء المثلج في الصيف القائظ ,ﻻنني اعلم انني اعلم منه و اقدر على ناصية تخصصي…. بين هذه الزمرة التي قائها الزمن القبيح كان عليّ ان اجد واجتهد و ابرز من بينهم ﻻعبر عن نفسي و عملي و خبرتي و اتميز عن غيري…. الحمد لله فقد وجدت من بين الافاضل من كان معي في ذات الكلية و فرقتنا السنين العجاف حتى التقينا هناك و كوننا فريق عمل مصغر او نواة له , كان علينا تحوير معمل او بالاحرى انشاء معامل من انقاض معامل اخرى زمن الحصار حيث كل شيء شحيح و ﻻ نعتمد اﻻ على انفسنا و على ما يتوفر هنا وهناك و ربما في مواقع اخرى …… و من بين المسؤولين وجدنا فاضلا واحداً ولله الحمد كان درعا واقياً حتى حين فلا يتصل بنا احد من الزمرة الخبيثة ليحاول وضع العصى في العجلة حتى ابلغناه ذلك و تصدى لهم , فكان له الاثر المفيد و مما عجل في الانجاز ايضاً , كان يوافينا الى موقع العمل حتى في الواحدة بعد منتصف الليل ومعه مالذ وطاب ليهون علينا الجهد و يرفع من معنوياتنا ….. اعتبرناه اخاً قبل ان يكون زميلاً اقدم منا في العمل وقبل ان يكون مسؤولا حكومياً….. و بحمد الله انجزنا المعمل الاول , و نحرت الاكباش ابتهاجاً بالانجاز و صرت و زميلي عملة نادرة و شخصية نادرة على السن و ﻻ يشار اليّ اﻻ ب " العريس" …و انجز المعمل الثاني و زاد الاحتفاء بي و بزميلي و صار الحديث الشائع اين العريس , جاء العريس , ذهب العريس …. ايقظت هذه الانجازات زمرة الفاشلين من قراد المجتمع و حثالاته و بدأوا الحرب علينا , فكان ﻻبد ان يتسيد الموقع واحد منهم , جربوا الكثير ولم ينفع اما لرفضنا واما لجهلهم بالعمل …. وكان من عنصريتهم وفئويتهم ان جلبوا شخصاً من اقاصي البلاد فقط ﻻنه من فئتهم يشاركهم الدين و الجغرافيا و التاريخ و ﻻ اقول اكثر من ذلك … اخيرا جلب لنا الزمن الرديء و هذه الزمرة الفاشلة ضابطا صغيراً ليكون مسؤولا عن هذه المجموعة التي انجزت و فعلت المستحيل لتكون المعامل و ليتحقق الانجاز و لتتوفر ملايين الدنانير زمن الحصار… وضعنا هذا ال(الضابط) في مفكرته و اخذ يبتكر السبل للخلاص منا فوجودنا يؤرقهم جميعاً ويذكرهم بجهلهم وفشلهم و عزهم عن الانجاز سوى ما يفعلوه من فساد !!!. جاء الخميس و كانت اجازتي و عليّ ان اغادر مع الباص وان فاتني الباص فالله وحده يعلم كيف سأغادر و متى سأصل , فالمشروع وسط هضاب بعيدة مخيفة , يمكن للذئاب ان تأكلني ان تأخرت , وسيلة الحماية الوحية هي سياج قوي و عناصر مسلحة … طلب مني ذلك الرجل المغرض شيئا خارج اختصاصي و عملي و عنما اقوم بالعمل سيستهلك الوقت فأعتذرت . كان يمسك مظروفاً بيده و كان ينظر الي بحقد , ويقول "بسيطة بسيطة" عدت بعد الاجازة ﻻجد نفسي في قائمة ممن تظاهر ضد النظام و ممن فعل الافاعيل ضده و هذه وحدها تكفي للتغييب و الاعدام في ذلك الزمان , وقد علمت ان بعضهم حاججهم و تدخل لتخفف العقوبة الى النقل الى مكان اخر …. المكان هو انتحار حقيقي في زمن الحصار و ظروفه تعسة الى ابعد الحدود و ليس مكانا للمبدعين و ﻻ من قام بالانجازات بل هو مكان للانتقام من الخصوم فقط ….
Information
- Show
- PublishedMarch 25, 2019 at 11:55 AM UTC
- Length10 min
- RatingClean